عند وقوع حادث مروع، يُخفِق معظم الناس
في اتحاذ ما قد ينقذ حياتهم، حسبما يقول الكاتب الصحفي مايكل بوند. فما هي الأمور التي
قد تساعدنا في النجاة عند وقوع الكوارث؟
في السابعة من مساء يوم 27 سبتمبر/أيلول
عام 1994، غادرت سفينة الرحلات البحرية "م. س. استونيا" ميناء تالين، وعلى
متنها 989 راكباً. كانت العبارة متجهة إلى ستوكهولم عبر بحر البلطيق، إلا أنها لم تصل
إلى وجهتها قطُّ.
بعد ست ساعات من بدء الرحلة، وبينما كانت
تبحر وسط عاصفة قوية، انكسرت بوابة المقدمة وبدأ الماء يتسرب إلى داخل العبّارة. خلال
ساعة واحدة فقط غرقت السفينة وغرق معها 852 من ركابها وطاقمها.
ورغم السرعة التي وقعت بها تلك المأساة،
واضطراب البحر خلال العاصفة، وطول الوقت الذي استغرقه رجال الإنقاذ للوصول، (إذ أعلنت
حالة الطواريء القصوى بعد مرور نصف ساعة من غرق السفينة)، اندهش خبراء الإنقاذ من ارتفاع
حصيلة القتلى.
فيبدو أن الكثيرين غرقوا لأنهم لم يفعلوا
شيئاً لإنقاذ أرواحهم.
استنتج تقرير رسمي حول الحادث أن
"عدداً منهم (الركاب) على ما يبدو، لم يفكر بشكل منطقي، أو يتصرف بسبب الهلع الذي
انتابهم."
وأضاف التقرير: "يبدو أن البعض تحجّروا
في أماكنهم ولم يقووا على الحركة. لم يمكن الوصول إلى هؤلاء الذين أصابهم الذعر، أو
الذين أصابتهم حالة من اللامبالاة، أو الصدمة، أو الذين لم يستجيبوا عندما حاول ركاب
آخرون توجيههم، أو حتى عندما أجبروهم على ذلك أو صرخوا في وجوههم".
يجري جون ليتش، المدرب العسكري في مجال
الإنقاذ والمساعدة على النجاة، دراسة حول سلوكيات البشر خلال الظروف الكارثية بجامعة
بورتسموث البريطانية.
وقد توصل ليتش إلى أنه في الحالات التي
تهدد حياة البشر، يُصاب 75 في المئة من الناس بالارتباك إلى درجة أنهم لا يقدرون على
التفكير بذهن صاف، أو أن يخططوا لإنقاذ أرواحهم.
إنهم يصابون بشلل ذهني. وتبلغ نسبة الذين
يحافظون على هدوئهم 15 في المئة فقط. وهؤلاء يفكرون بمنطق ليصلوا إلى قرارات يمكنها
أن تنقذهم. (أما النسبة الباقية، وهي 10 في المئة، فهم أشخاص يشكلون خطرا، إذ يصيبهم
الفزع، ويعيقون فرص النجاة لكل من حولهم).
درس ليتش تصرفات الكثيرين من الناجين والضحايا
لعشرات الكوارث حول العالم، خلال عدة عقود من الزمن. ويرى ليتش أنه علينا أن نتساءل
عن السبب الذي يدفع الكثيرين إلى الاستسلام، أو الفشل في التكيف مع الكارثة المحدقة،
بالرغم من قدرتهم البدنية على إنقاذ أنفسهم؟
مخرج الطواريء
لم نحصل دوماً على صورة واضحة لما يقوم
به الناس حقاً في حالات الطواريء. تعود المهندسون الذين يصممون إجراءات الإخلاء على
افتراض أن ردة فعل الناس تأتي بشكل فوري لدى سماعهم صوت صافرات الإنذار، أو عندما يشتمون
رائحة دخان، أو يحسون بارتجاج المبنى، أو عندما تترنح بهم السفينة.
ما يجعل الناس قادرون على مواجهة المخاطر
بشكل أكبر ليس جنونهم، أو تدافعهم الحيواني نحو المخارج، بل هو في الغالب تجنب الإصابة
بحالة من الذعر.
أحد أكثر الأمثلة الحية على سلبية الناس
في وقتنا الحاضر هو ما حدث في البرجين التوأمين في نيويورك، عندما ضربتهما طائرتان
مختطفتان في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.
فحتى أولئك الذين خرجوا في النهاية انتظروا
لست دقائق، كمعدل، قبل التحرك نحو السلالم. فقد انتظر آخرون لنحو نصف ساعة، وذلك حسب
دراسة أجراها "المعهد الوطني الأمريكي للمعايير والتكنولوجيا".
فنظراً لعدم استعداد هؤلاء لما حلّ بهم،
فقد استمر بعضهم فيما كانوا يفعلونه، بل ظل بعضهم معلّقين ليروا ما سيحدث، أو بانتظار
أن يتحرك غيرهم أولاً.
وجدت إحدى الدراسات أن نصف الذين نجوا،
تأخروا قبل أن يحاولوا النجاة، بسبب أنهم كانوا يتصلون بالهواتف، أو يرتّبون الأشياء
في الأدراج، أو يغلقون أبواب مكاتبهم، أو يطفئون أجهزة الكمبيوتر، أو حتى يبدلون أحذيتهم.
وسيلة النجاة
هناك تفسير نفسي سائد لهذه الأنواع من السلوكيات
التي تضم السلبية أو الانتظار، أو الشلل الذهني، أو ببساطة الاستمرار في أداء بعض الأعمال
في مواجهة حالة طارئة. ويكمن هذا التفسير في الفشل في التكيف مع التغيير المفاجيء الذي
يحدث حولنا.
إذ تتضمن النجاة من الكوارث سلوكاً موجّهاً
نحو غاية محددة. فأنت عندما تشعر بالجوع، تبدأ في البحث عن غذاء، وعندما تشعر بالوحدة،
تبدأ في البحث عن رفقة.
لكن خلال المرور بموقف جديد أو غير مألوف،
وخاصة ذلك الذي يسبب إرباكا واضحا، مثل غرق سفينة، أو احتراق طائرة، فإن ترسيخ موقع
الأماكن المخصصة للنجاة في ذهنك - مثل موقع مخرج النجاة عند الحريق، وطريقة الوصول
إلى ذلك الموقع، يتطلب جهداً أكبر بكثير مما يتحمله الإدراك والوعي.
"في أكثر الأحيان، تقع حالات الطواريء
أسرع مما يمكن للعقل أن يستوعب ذلك"، كما يوضح ليتش.
تتخطى حالة الطواريء قدراتنا على التفكير
بالخلاص منها. يقول جيروم تشيرتكوف، عالم نفس اجتماعي بجامعة انديانا الأمريكية:
"عند وقوعك في حالة تكون حياتك فيها معرضة للخطر، تزداد استثارتك العاطفية".
ويضيف: "ويؤدي ذلك لدى البعض إلى تقليص
عدد البدائل التي سيفكرون فيها، وهذا له مساوؤه عندما تحاول تحديد مسار سلوكك، بما
أنك قد لا تفكر مطلقاً في الخيار الذي سيمكنه على الأرجح أن ينجّيك بسلام".
ولذا، يتفق معظم خبراء الإنقاذ وسبل النجاة
على ما يلي: الوسيلة المعتمدة الوحيدة للقضاء على هذا النوع من التفكير الضار هو التهيؤ
المسبق لوقوع حالات الطواريء.
يعني هذا أن تتذكّر مخارج النجاة عند وقوع
حريق في قاعة السينما، وأن تقرأ إرشادات الإخلاء المعلقة خلف أبواب غرف الفنادق التي
تنزل فيها، وأن تستمع دوماً إلى إرشادات السلامة المعلنة في الطائرات.
وماذا عن كيفية التعامل مع الآخرين؟ وكيف
يتصرف الذين من حولنا؟ غالباً ما يؤكد المعلقون على غباء أو جنون جموع الناس عند حصول
كوارث - مثل تدافع الحجاج، أو تدافع حشود من جمهور كرة القدم، أو التزاحم الأعمى نحو
المخارج في نادٍ ليلي تلتهمه النيران.
لكن في الحقيقة يقول خبراء الإنقاذ إنه
من النادر أثناء الحوادث أن نرى مثل هذا السلوك الفردي.
القوة في وحدتنا
تبين الأبحاث أنه، في أغلب الأحيان، تساند
مجاميع الناس بعضها البعض خلال الكوارث، وليس العكس.
يقول كريس كوكينغ، الذي يدرس السلوك الجماعي
بجامعة برايتن: "في حالات الطوارئ، التعاون هو القاعدة المتّبعة".
خذ مثلاً التفجيرات الانتحارية التي وقعت
في لندن في السابع من يوليو/تموز عام 2005، والتي أدت إلى مقتل 52 شخصاً، وإصابة أكثر
من 700 بجروح.
حوصر المئات من المسافرين في قطارات الأنفاق
في أجواء يغمرها الدخان، ولعدة ساعات، دون وسيلة تعلمهم كيف ينقذون أنفسهم، أو تخبرهم
إن كانت انفجارات أخرى على وشك الوقوع.
وسط تلك الفوضى، كان معظم الناس يتعاونون
كثيرا فيما بينهم، ويساعدون الآخرين. ذلك ما استنتجه استطلاع للناجين أجراه كوكينغ،
وزميليه جون دروري من جامعة ساسيكس، وستيف رايكر من جامعة سانت أندروز.
يطلق علماء النفس على ذلك مصطلح "المرونة
الجماعية": وهو يعني سلوك المساعدة الجماعية والوحدة في مواجهة الخطر.
مع ذلك، يمكن لبعض حالات الطواريء أن تشوّش
الذهن إلى درجة أن يكون التعاون بعيدا عن تصرفات البعض، وخاصة لدى أولئك الذين يصابون
بصدمة عميقة، ويصبحون غير قادرين على التصرف بإيجابية.
يُحتمل ألا تواجه مطلقاً أية حالة كارثة
بنفسك، إلا أنه من الأفضل أن تتصور وقوع حالة طارئة حولك. فعليك أن تظل يقظاً لوجود
تهديدات قد تقع حولك، وأن تكون قادرا على الاستعداد لمواجهتها، وذلك بالطبع دون الانزلاق
إلى درجة الجنون والشك الدائم في وقوع الكوارث.
يقول ليتش: "كل ما عليك فعله هو أن
تسأل نفسك سؤالاً بسيطاً: إذا ما وقع حادث ما، ماذا سيكون رد فعلي الأول؟ وعندما تستطيع
الإجابة عن هذا السؤال، سيكون كل شيء في مكانه الطبيعي. إن الأمر بهذه البساطة حقا".
تعليقات
إرسال تعليق